فصل: باب ما ذكر من علم أبي رحمه الله وفقهه ومعرفته بناقلة الآثار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجرح والتعديل (نسخة منقحة)



.باب ما ذكر من علم أبي رحمه الله وفقهه ومعرفته بناقلة الآثار:

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت محمد بن العباس مولى بنى هاشم أو غيره قال حضرت محمد بن حميد وجاءه رجل يستفتيه في مسألة فقال صر إلى أبي حاتم محمد بن إدريس فسله عنه قال أبو محمد وكان في ذلك الوقت مشايخ متوافرون مثل إبراهيم بن موسى ومحمد بن مهران الجمال وأبى حصين بن يحيى بن سليمان وأبى زرعة وغيرهم حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي رحمه الله يقول قلت على باب أبي الوليد الطيالسي من أغرب على حديثا غريبا مسندا صحيحا لم اسمع به فله على درهم يتصدق به وقد حضر على باب أبي الوليد خلق من الخلق أبو زرعة فمن دونه وانما كان مرادى ان يلقى على ما لم اسمع به فيقولون هو عند فلان فأذهب فأسمع وكان مرادى ان استخرج منهم ما ليس عندي فما تهياأ لأحد منهم ان يغرب على حديثا حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول تعجبت من غفلة أبي نعيم الفضل بن دكين حيث جعل يزيد بن خصيفة في الكوفيين وهو مدينى وادخل عمرو بن يحيى المازني في الكوفيين وهو مدني
وجعل عثمان البتي في الكوفيين وهو بصرى سمعت أبي يقول جرى بيني وبين أبي زرعة يوما تمييز الحديث ومعرفته فجعل يذكر أحاديث ويذكر عللها وكذلك كنت اذكر أحاديث خطأ وعللها وخطأ الشيوخ فقال لي يا أبا حاتم قل من يفهم هذا ما أعز هذا إذا رفعت هذا من واحد واثنين فما أقل من تجد من يحسن هذا وربما اشك في شيء أو يتخالجنى شيء في حديث فالى أن التقى معك لا أجد من يشفينى منه قال أبي وكذك كان امرى قال أبو محمد قلت لأبي محمد بن مسلم قال يحفظ أشياء عن محدثين يؤديها ليس معرفته للحديث غريزة حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي وجرى عنده معرفة الحديث فقال أبو عبد الله الذي يحدث عنه محمد بن جابر والذي يحدث عن سعيد بن جبير وعن مصعب بن سعد وعن زاذان هو مسلم الجهني ومسلم البطين أيضا يكنى أبا عبد الله غير أنه لا يحتمل ان يكون مسلم الملائي يحدث عن مصعب بن سعد وعن زاذان ثم قال ذهب الذي كان يحسن هذا يعنى أبا زرعة وما بقى بمصر ولا بالعراق أحد يحسن هذا قلت محمد بن مسلم قال يفهم طرفا منه حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول وقيل له ان عبد الجبار بن العلاء روى عن مروان الفزاري عن بن أبي ذئب فقال أبي قد نظرت في حديث مروان بالشام الكثير فما رأيت عن بن أبي ذئب أصلا فقال له أبو يحيى الزعفراني انكر على أبو زرعة كما أنكرت فحملت اليه كتابي واريته فجعل يتعجب قال أبو محمد اتفقا في الإنكار على عبد الجبار بن العلاء روايته عن مروان عن بن أبي ذئب من غير تواطؤ لمعرفتهما بهذا الشأن.

.ما ذكر من حفظ أبي رحمه الله عليه:

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول كان محمد بن يزيد الاسفاطى يحفظ التفسير وولع به وكان يلقى على وعلى أبي زرعة التفسير فإذا ذاكرته بشيء لا يحفظه كان يقول يا بنى افدنى حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول كان محمد بن يزيد الاسطافى يحفظ التفسير فقال لنا يوما ما تحفظون في قول الله عز وجل فنقبوا في البلاد فبقي أصحاب الحديث ينظر بعضهم إلى بعض فقلت انا حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن على بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله عز وجل فنقبوا في البلاد قال ضربوا في البلاد فاستحسن حدثنا عبد الرحمن قال سمعت موسى بن إسحاق يقول لي ما رأيت احفظ من أبيك رحمه الله وقد رأى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبا بكر بن أبي شيبة وابن نمير وغيرهم فقلت له رأيت أبا زرعة فقال لا حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول غضب أبو الوليد يوما فقال لا يسألني اليوم أحد الا من حفظه فدنا اليه رجل فقال كيف حديث كذا فجعل يلجلج فقال قم فاقامه ثم دنا آخر فقال كيف حديث كذا فجعل أيضا يلجلج فقال قم فلما كان الثالث أو الرابع دنوت انا فقلت كيف حديث أبي مسعود
البدري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان المؤمن إذا انفق على زوجته وهو يحتسب فهو صدقة فقال حدثنا شعبة عن عدى بن ثابت فقال له شعبة قال أنبأنا عدى بن ثابت عن عبد الله بن يزيد فقال الأنصاري عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قلت له حديث سلمة بن الأكوع عن النبي صلى الله عيله وسلم من حمل علينا السلاح فقال حدثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فحدثني به فلم أزل اذكر له حديثا بعد حديث حتى بلغ عشرة أحاديث فقال هات فذكرت له حديثا آخر فقال حسبك فظن ان تحفظت عشرة أحاديث فلما زدت على عشرة قال حسبك ثم دنا أبو زرعة فجعل يسأله حتى بلغ عشرة فلما زاد على عشرة أحاديث قال حسبك حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول قدم محمد بن يحيى النيسابوري الري فالقيت عليه ثلاثة عشر حديثا من حديث الزهرى فلم يعرف منها الا ثلاثة أحاديث وسائر ذلك لم يكن عنده ولم يعرفها حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول قال لي هشام بن عمار أي شيء تحفظ عن الاذواء قلت له ذو الأصابع وذو الجوشن وذو الزوائدة وذو اليدين وذو اللحية الكلبي وعددت له ستة فضحك وقال حفظنا نحن ثلاثة وزدتنا أنت ثلاثة حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول كنت عند والينا إبراهيم بن معروف وحضر محمد بن مسلم فقال يا أبا حاتم ويا أبا عبد الله لو تذاكرتما فكنت اسمع مذاكرتكما فقلت لا تتهيأ المذاكرة ما لم يجر شيء فقال انا اجريه قد حببت إلى الصدقة فما تحفظون فيه فقال محمد بن مسلم حدثنا محمد بن سعيد بن سابق عن عمرو بن أبي قيس عن سماك عن عباد بن حبيس عن عدى بن حاتم قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقص فقلت لم يسألك الأمير عن إسلام عدى بن حاتم فقال صدق إنما سألتك عن فضل الصدقة فقال حدثنا أبو نعيم نا سفيان عن عبد الله بن عيسى عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه وان الرجل وذكر الحديث فقلت ليس إسناده كما ذكرت 99ك قال لم قلت ليس هو سالم بن أبي الجعد فقال هو عبيد بن أبي الجعد قلت ولا هو عبيد فقال من هو وجعل يكرر سالم بن أبي الجعد عبيد بن أبي الجعد عبيد بن أبي الجعد فكرر من من فقال الأمير لا تخبره فسكت ساعة فجعل يجهد أن يقع عليه فلم يقع عليه فقال الأمير أخبره الآن قلت عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان قال صدقت هو عبد الله بن أبي الجعد.

.ما ذكر من رحلة أبي في طلب العلم:

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين احصيت ما مشيت على قدمى زيادة على ألف فرسخ لم أزل أحصى حتى لمازاد على ألف فرسخ تركته ما كنت سرت انا من
الكوفة إلى بغداد فما لا أحصى كم مرة ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة وخرجت من البحرين من قرب مدينة صلا إلى مصر ماشيا ومن مصر إلى الرملة ماشيا ومن الرملة إلى بيت المقدس ومن الرملة إلى عسقلان ومن الرملة إلى طبرية ومن طبرية إلى دمشق ومن دمشق إلى حمص ومن حمص إلى أنطاكية ومن أنطاكية إلى طرسوس ثم رجعت من طرسوس إلى حمص وكان بقى على شيء من حديث أبي اليمان فسمعت ثم خرجت من حمص إلى بيسان ومن بيسان إلى الرقة ومن الرقة ركبت الفرات إلى بغداد وخرجت قبل خروجى إلى الشام من واسط إلى النيل ومن النيل إلى الكوفة كل ذلك ماشيا كل هذا في سفرى الأول وانا بن عشرين سنة اجول سبع سنين خرجت من الري سنة ثلاث عشرة ومائتين قدمنا الكوفة في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة والمقرئ حي بمكة وجاءنا نعيه ونحن بالكوفة ورجعت سنة إحدى وعشرين ومائتين وخرجت المرة الثانية سنة اثنتين وأربعين ورجعت سنة خمس وأربعين أقمت ثلاث سنين وقدمت طرسوس سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة وكان واليها الحسن بن مصعب وكنت تنظر إلى الحسن كأنه محدث احمر الرأس واللحية عليه قلنسوة حبرة وكنت اشبهه بسنيد بن داود وربما رأيت الوالى فاضن انه سنيد وربما اجتمعا فلا اميز بينهما وفى هذه السنة فتحت لؤلؤة وانا بطرسوس حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول حججت سنة الأولى سنة خمس عشرة ومائتين والحجة الثانية سنة خمس وثلاثين والثالثة سنة اثنتين وأربعين والرابعة سنة خمس وخمسين وفيها حج عبد الرحمن ابنى.

.باب ما ذكر من جلالة أبي عند أهل العلم وغيرهم:

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول سألني أحمد بن حنبل عن مشايخ الري قلت إبراهيم بن موسى وهو في عافية قال كيف تركتم أبا زياد كان رفيقى بالبصرة عند معتمر بن سليمان قلنا هو في عافية وسألنى عن بن حميد حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول أتيت محمد بن المصفى الحمصي يوما فقال لي قد كتبت جزءا من حديثك فحدثني به فقلت إنما جئنا لنسمع منك فلم يدعى حتى قرأت عليه حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي رحمه الله يقول كنا إذا اجتمعنا عند محدث انا وأبو زرعة كنت اتولى الانتخاب وكنت إذا كتب حديثا عن ثقة لم اعده وكنت اكتب ما ليس عندي وكان أبو زرعة إذا انتخب يكثر الكتابة كان إذا رأى حديثا جيدا قد كتبه عن غيره أعاده حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول كلمنى دحيم في حديث أهل طبرية وقد كانوا سألونى التحديث فأبيت عليهم وقلت بلدة يكون فيها مثل أبي سعيد دحيم القاضى أحدث انا فكلمنى دحيم فقال ان هذه بلدة نائية عن جادة الطريق فقل من يقدم عليهم فحدثتهم حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول أتينا مالك بن سعد بن عم
روح بن عبادة بالبصرة فقلنا أخرج إلينا من حديثك فكان يخرج الجزئين والثلاثة قلنا له اخرج إلينا ملأ جوالق كتبا حتى ننظر فيها فأخرج إلينا الشيخ جوالق ملأ كتب في ظهره فوضع بين أيدينا فكتبنا منها حديثا كثيرا ثم أخذت عنه مقدار عشرين جزءا من مصنفات روح وغيره فقلت أحمل وأنظر فيه قال احمل وأعدك في وقت اجيئك إلى منزلك فاحدثك ثم فوعدته ليوم يجىء فكان حدث سبب وبكرت إلى شيخ وجاء الشيخ فقعد ينتظرنا فلم يزل ينتظرنا إلى قريب من وقت الظهر فجئنا نحن في ذلك الوقت فدفعنا اليه ما كان معنا مكتوبا فقرأ علينا حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول كان سلمة بن شبيب قدم البصرة فكتبت بخطى عنه شيئا كثيرا فالتقيت معه فأعلمته انى كتبت من حديثه أشياء أريد أن اسمعها فقال انا اجيئك غدا فقضى انى بكرت على بندار ونسيت ميعاده فأنا عند بندار إذ قد اقبل سلمة فقال له بندار يا أبا عبد الرحمن كنا نحن أولى نأتيك فقال ليس إياك أتيت إنما جئت بسبب أبي حاتم أقرأ عليه شيئا قال أبي فتشورت مما قال في وجه الشيخ ثم قال ما تشاء قلت ان شئت انتظرت حتى يفرغ بندار من القراءة وان شئت مضيت حتى اجيئك إلى المنزل فقال لا بل أنتظر حتى تفرغ من السماع فلما فرغت من السماع دخلنا مسجدا فأخذ كتابي فقرأ كل شيء كان معي فعددت ما قرأ على إحدى عشرة ورقة بخطى دقيق حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول وذكر بن أبي عمر العدني فقال كان من المصلين اتيته فيما بين المغرب والعشاء فإذا هو قائم يصلى كأنه خشبة فلما رآني خفف وسلم فقال ما حاجة أبي حاتم قلت كذا وكذا وقال أبي أتيت أحمد بن يحيى الصوفي لأسمع منه فإذا قد كتبت جزءا من حديثي فقال اقرأه على فقلت إنما جئت لأسمع منك فلم يدعنى حتى قرأت عليه.

.باب ما ذكر من كثرة سماع أبي رحمه الله من العلم:

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول قال لي بن نفيل كم كتبتم عنى قلت لا ندري قال حزرت ثلاثة عشر الفا أو أربعة عشر الفا أو خمسة عشر الفا.

.باب ما لقى أبي من المقاساة في طلب العلم من الشدة:

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول بقيت بالبصرة في سنة أربع عشرة ومائتين ثمانية اشهر وكان في نفسي ان أقيم سنة فانقطع نفقتى فجعلت ابيع ثياب بدنى شيئا بعد شيء حتى بقية بلا نفقة ومضيت اطوف مع صديق لي إلى المشيخة وأسمع منهم إلى المساء فانصرف رفيقى ورجعت إلى بيت خال فجعلت اشرب الماء من الجوع ثم أصبحت من الغد وغدا على رفيقى فجعلت اطوف معه في سماع الحديث على
جوع شديد فانصرف عنى وانصرفت جائعا فلما كان من الغد غدا على فقال مر بنا إلى المشايخ قلت انا ضعيف لا يمكننى قال ما ضعفك قلت لا اكتمك امرى قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا فقال لي قد بقى معي دينار فانا اواسيك بنصفه ونجعل النصف الآخر في الكراء فخرجنا من البصرة وقبضت منه 99د النصف دينار حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول كنا في البحر فاحتلمت فأصبحت وأخبرت أصحابي به فقالوا لي اغمس نفسك في البحر قلت انى لا أحسن ان اسبح فقالوا انا نشد فيك حبلا ونعلقك من الماء فشدوا في حبلا وارسلونى في الماء واننا في الهواء أريد اسباغ الوضوء فلما توضأت قلت لهم أرسلونى قليلا فارسلونى فغمست نفسي في الماء قلت ارفعونى فرفعونى حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول ما خرجنا من المدينة من عن داود الجعفري صرنا إلى الجار وركبنا البحر وكنا ثلاثة أنفس أبو زهير المروروذي شيخ وآخر نيسابوري فركبنا البحر وكانت الريح في وجوهنا فبقينا في البحر ثلاثة اشهر وضاقت صدورنا وفنى ما كان معنا منةالزاد وبقيت بقية فخرجنا إلى البر فجعلنا نمشي أياما على البر حتى فنى ما كان معنا من الزاد والماء فمشينا يوما وليلة لم يأكل أحد منا شيئا ولا شربنا واليوم الثاني كمثل واليوم الثالث كل يوم نمشي إلى الليل فإذا جاء المساء صلينا وألقينا بأنفسنا حيث
كنا وقد ضعفت ابداننا من الجوع والعطش والعياء فلما أصبحنا اليوم الثالث جعلنا نمشي على قدر طاقتنا فسقط الشيخ مغشيا عليه فجئنا نحركه وهو لا يعقل فتركناه ومشينا انا وصاحبى النيسابوري قدر فرسخ أو فرسخين فضعفت وسقطت مغشيا على ومضى صاحبي وتركنى فلم يزل هو يمشى إذ بصر من بعيد قوما قد قربوا سفينتهم من البر ونزلوا على بئر موسى صلى الله عليه وسلم فلما عاينهم لوح بثوبه إليهم فجاءوه معهم الماء في إداوة فسقوه واخذوا بيده فقال لهم الحقوا رفيقين لي قد القوا بأنفسهم مغشيا عليهم فما شعرت الا برجل يصب الماء على وجهي ففتحت عيني فقلت اسقنى فصب من الماء في ركوة أو مشربة شيئا يسيرا فشربت ورجعت إلى نفسي ولم يرونى ذلك القدر فقلت اسقنى فسقانى شيئا يسيرا وأخذ بيدى فقلت ورائى شيخ ملقى قال قد ذهب إلى ذاك جماعة فأخذ بيدى وانا أمشي أجر رجلي ويسقينى شيئا بعد شيء حتى إذا بلغت إلى عند سفينتهم واتوا برفيقى الثالث الشيخ واحسنوا إلينا أهل السفينة فبقينا أياما حتى رجعت إلينا أنفسنا ثم كتبوا لنا كتابا إلى مدينة يقال لها راية إلى واليهم وزودونا من الكعك والسويق والماء فلم نزل نمشي حتى نفد ما كان معنا من الماء والسويق والكعك فجعلنا نمشي جياعا عطاشا على شط البحر حتى وقعنا إلى سلحفاة قد رمى به البحر مثل الترس فعمدنا إلى حجر كبير فضربنا على ظهر السلحفاة فانفلق ظهره وإذا فيها مثل صفرة البيض فأخذنا من بعض الأصداف الملقى على شط البحر فجعلنا نغترف من ذلك الأصفر فنتحساه حتى سكن عنا الجوع والعطش ثم مرننا وتحملنا حتى دخلنا مدينة الراية واوصلنا الكتاب إلى عاملهم فأنزلنا في داره وأحسن إلينا وكان يقدم إلينا كل يوم القرع ويقول لخادمه هاتى لهم باليقطين المبارك فيقدم إلينا من ذاك اليقطين مع الخبز أياما فقال واحد منا بالفارسية لا تدعو باللحم المشؤوم وجعل يسمع الرجل صاحب الدار فقال انا أحسن بالفارسية فان جدتى كانت هروية فأتانا بعد ذلك باللحم ثم خرجنا من هناك وزودنا إلى ان بلغنا مصر.

.باب ما ذكر من بدء كتابة أبي رحمه الله الحديث:

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول كتبت الحديث سنة تسع ومائتين وانا بن أربع عشرة سنة واختلفت تلك السنة إلى المحدثين وكتبت عن عتاب بن زياد المروزي سنة عشر ومائتين قدم علينا من خراسان يريد الحج وكتبت عن عبد الله بن عاصم سنة عشر أو نحوها كتاب أبي عوانة وانا بن خمس عشرة سنة بخطى وكنت افيد الناس عن أبي عبد الرحمن المقرى وانا بالري فيخرج الناس إلى المقرى فيسمعوا منه ويرجعوا وانا بالري وكتبت عن بشر بن يزيد بن أبي الأزهر سنة عشر ومائتين وانا بن خمس عشرة وكان نزل على سعيد بن زيرك فطلبوا مستمليا يستملى فلم يحضرهم فأخذت استملى لهم.

.باب ما ذكر من كتابة أبي ما كان يقرأ المحدث من الحديث في وقت قراءته:

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول كتبت عند عارم وهو يقرأ وكتبت عند عمرو بن مرزوق وهو يقرأ حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول قال سعيد بن سليمان عندي عن هشيم عن منصور بن زاذان أربعمائة حديث فأتاه الأعبر وأصحاب الحديث فأملى علينا وجاء هارون المستملى الملقب بالديك فكان يستملى ولا يرد على أحد ويسرع الكتابة فترك عامة أصحاب الحديث الكتابة الا القليل وكنت اكتب انا.

.باب ما ظهر لأبي من سيد عمله عند وفاته:

حضرت أبي رحمه الله وكان في النزع وانا لا أعلم فسألته عن عقبة بن عبد الغافر يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم له صحبة فقال برأسه لا فلم اقنع منه فقلت فهمت عنى له صحبة قال هو تابعي قلت فكان سيد عمله معرفة الحديث ونا قلة الآثار فكان في عمره يقتبس منه ذلك فأراد الله ان يظهر عند وفاته ما كان عليه في حياته.

.ما أنشد في أبي وأبى زرعة رحمهما الله من الشعر:

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول قال بعض الحكماء هذه الأبيات:
ليس في الدين مراء ليس بالحق خفا

وعلى الحق لذى الفهم من النور هدى

ليس ذو العرش بمعبود برأى وهوى

إن يكن هذا كذا فإذا ليس يرى

ديننا في كل يوم رأى هذا ثم ذا

ليس ذو الآثار في الدين وذو الرأي سوا

ليس تباع رسول الله قصا واقتفا

مثل من يتبع نعمان على رأى رأى

ولو ان الدين رأى فيه أصبحنا سوا

ويهود ونصارى فيه كانوا شركا

ولقد قال بنصح جاء فيما عنه جا

عامر الشعبي قولا كان فيه ما كفى

بل على ما كان رأيا فكفا كم منه ذا

إنما الدين اتباع لا ابتداع وابتدا

فعليكم بأبي زرعة ذي العلم الرضا

وأبي حاتم التابع قول المصطفى

فهم أوعية العلم ليحبوكم حبا

من أحاديث رسول الله عودا وبدا

قد رواها ثقة عن ثقة عنه روى

وتحاموا صاحب الخان فما يدرى هبا

من قعاقيع نعيمان الذي كان طغا

وعتا في الأرض إفسادا وظلما واعتدا

قال أبو محمد وأنشدني أبو محمد الأيادي في أبي رضي الله عنه يرثيه:
أنفسى مالك لا تجزعينا... وعينى مالك لا تدمعينا...... أنفسى مالك خوارة... كأنك في غمرة تعمهينا...... أنفسى مالك حيرانة... بأذنك وقر فلا تسمعينا...... ألم تسمعى لكسوف العلوم... في شهر شعبان حقا مدينا...... ألم تسمعى خبر المرتضى... أبي حاتم اعلم العالمينا...... ألم تسمعى انه ميت... وان الأنام به مفجعونا...... امام الأنام ثوى ملحدا... فأعظم لمرزئة قد رزينا...... امام المشارق والمغربين... وما بين ذلك اضحى رهينا...... امام الأنام خصصنا به... وعم الورى كلهم اجمعينا
ففي الأرض بالشيخ عرس مقيم... ومن فوقها مأتم المؤمنينا...... فأضحت سعيدا بجثمانه... صرنا بفقدانه قد شقينا...... فيا أرض صرت به روضة... فكونى به برة تسعدينا...... ويارى كنت به جنة... فحرت به قفرة ترحمينا...... لقد فازت الأرض طوبى لها... وصادفت الأرض علقا ثمينا...... مضى شيخنا المضرى الذي... ثلبنا به عصب الجاحدينا...... مضى شيخنا الحنظلي الذي... أبينا به الضيم ان نستكينا...... فيا آل إدريس ماذا رزئتم... ويا آل إدريس ماذا رزينا...... سلبنا وإياكم عزنا... فقد عظم الرزء فيكم وفينا...... دفنتم به علم اسلافنا... وآثار اشياخنا الصالحينا...... فمن للمسائل والواقعات... وللمشكلات إذا ما بلينا...... ومن ذا يميز أخبارنا... ومن ذا يرد على المارقينا...... دفنا أبا زرعة اليوم لما... دفنا بن إدريس في الهالكينا...... وسفيان أيضا دفنا به... وشعبة ان كنتم تعقلونا...... وسفيان مكة والآصبحى... بحر البحور إذا يذكرونا...... وحماد من بعد حمادنا... وشيخ الشآم شجا الكافرينا...... وليث بن سعد لهم تاسع... وعبد الإله به يكملونا...... فكلا فقدنا بفقدانه... وإنا إلى ربنا راجعونا...... شقينا بموت أبي حاتم... شقاء طويلا وحزنا حزينا...... فلا حملت بعده حرة... ولا حمل البحر فيه سفينا
فيا عين فاستعبرى بعده... وجودى بدمعك لا تبخلينا...... ويا نفس قولي لأهل الحديث... تعالوا نبكى أبا المسلمينا...... تعالوا نبكى على ربها... بكاء الثكول مع الثاكلينا...... أيا لهف نفسي على شيخنا... لقد كان للدين حصنا حصينا...... فيا أهل طرسوس نوحوا عليه... ويا عين زربة لا تخذلونا...... وقل لزبطرة لا تأمنوا... فقد جاء في الكتب ما توعدونا...... لموت أبي حاتم فاحذروا... وكونوا على وجل خائفينا...... ويا أهل مصيصة المنتضاة... سيف الشآم على الكافرينا...... ويا ثغر مصر وثغر الحجاز... وثغر العراق ألا تندبونا...... ويا ثغر سند إلى كابل... وزابل فاستيقظوا فاطنينا...... ويا أهل شاش إلى بنكث... ويا أهل خوارزم لا تأمنونا...... ويا أهل جرجان ويحا لكم... ويا أهل كلال ما تعقلونا...... ويا أهل قزوين ما غالكم... وابهر ماذا تروا ان يكونا...... فقد مات من كان ردءا لكم... وللخلق كلهم اجمعينا...... ويا حرمى ربنا والرسول... ومن بهما أصبحوا قاطنينا...... هلموا إلى مأتمى كلكم... جميعا ولا تحضروا الملحدينا...... فقد شمتوا بالذي غالنا... فلا بارك الله بالشامتينا...... ويا أيها الشامتون اقصروا... فقد خلف الشيخ ابنا رصينا...... ففي الابن منه عزاء لنا... نقوم بنصرته ما بقينا...... فيا رب اورد أبا حاتم... حياض النبي مع الطيبينا...... أبو بكر الخير صهر النبي... وثانيه في الغار إذ يهربونا...... وفاروقها عمر بعده... وعثمان ذي النور في الواردينا...... ويعسوب امتنا فيهم... أبي حسن سيد المتقينا...... وطلحة من بعدهم والزبير... وكل له الفضل في السابقينا...... ولا تنس شيخى بنى زهرة... وشيخ عدى به يحسبونا...... فذلك عشر كما جاءنا... وصح لدينا عن السالفينا...... بحبهم دان من قبلنا... ونحن لهم خلف تابعونا...... أيمشى على ظهرها أهلها... وتحت الثرى جسد الصالحينا...... فسبحان من جعل الموت حتما... وكل إلى حتمه صائرونا.